مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_دراسات_سياسية_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_القضية_السورية_المشكلة_المتعددة_الأبعاد_والمراحل
القضية السورية:
بداية يمكن القول: أن القضية السورية أصبحت ظاهرة منذ انفصال سورية عن الدولة العثمانية، ووقوعها تحت النفوذ الفرنسي، الذي كان يعمل جاهدا، من أجل تمزيقها، وقتل الروح الوطنية فيها، وفصلها عن بُعديها؛ الإقليمي والقومي، وجعلها تنوس في دائرة أتباعه. وكانت السياسة الفرنسية وهي ترسم ما فيه الإشكال للسوريين، تتبنى الخطط المُعَدّة مسبقا، من أجل سيطرتها على سورية كلها، والحيلولة دون أن تتوجّه الاتجاه الصحيح، من أجل بناء الدولة ذات السيادة، وقد شملت تلك السياسة الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تستثنِ قطاعا من القطاعات، أو مكوّنا من المكوّنات. كَبُرَ أم صَغُرَ ذلك المكوّن أو ذلك القطاع. وقد كان هاجسها الرئيس ألا تصبح سورية دولة حرة ومستقلة وذات سيادة. وهاجسها هذا يتعلق بالمشروع الصليبي الصهيوني الذي رُسِمَ من واقع الحروب الصليبية؛ تلك الحروب التي ارتفعت حدة الصراع فيها بين الدول الأوروبية والعالم الإسلامي وكان من حظ سورية أن تتحمل تبعات الجزء الأكبر من ذلك الصراع، الأمر الذي أدَّى إلى ظهور عدد من المشاكل في العصر الحديث، وإلى تحوّلها فيما بعد إلى بؤرة من بؤر الصراع الإقليمي والدولي. والبحث الموسوم بـ (القضية السورية – والمشكلة المُتعددة الأبعاد والمراحل) سيقتصر على الجانب السياسي، وسنترك المجال للزملاء أن يدلوا بدلوهم تجاه المشكلات الأخرى، والتي فيها المشكلتان الاقتصادية والاجتماعية.
المشكلة السياسية 1897-2017م:
المشكلة السياسية التي تعيشها سورية اليوم قديمة وحديثة وقد مضى عليها أكثر من مئة عام. وبالتحديد: منذ آواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد مَرَّت بأربع مراحل:
المرحلة الأولى – مرحلة الاستعمار (1897-1946م): وفيها أربع محطات يُحسن الوقوف عندها. وهذه المحطات هي:
1-مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897م، ومخطط الشرق الأوسط الجديد: وكان هرتزل قد تقدم بورقة إلى المؤتمر رأى فيها ضرورة أن تخضع منطقة الشرق الأوسط إلى تقسيمات على أساس عرقي ومذهبي على أن تكون السيادة فيها للدولة اليهودية. والذي حدث بعد أن تَبَنَّت الدول الأوروبية هذه الورقة، وأخذت تضمنها قراراتها التي تعاملت على أساسها مع البلاد السورية بخاصة، ومنطقة الشرق الأوسط بعامة.
2-الحلفاء وسياسة التقسيم: كانت سورية وعلى مدار التاريخ تضم كلاً من (لبنان وفلسطين والأردن وسورية الحالية). وهي التي كانت تسمى سابقا باسم (بلاد الشام) وقد ظَلَّ هذا الاسم حتى مطلع العصر الحديث. حيث أخذ الحلفاء يعملون بعدها على تجزئة تلك البلاد. ففي سنة 1915م، اتفق كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا على اقتسام تركة الرجل المريض، وذلك بموجب معاهدة سان بطرس برغ، والذي تبعه بعد ذلك في سنة 1916م اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا حيث قُسِّمَتْ سورية الكبرى إلى مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية. أعقبه في سنة 1917م وَعْد بلفور وزير خارجية بريطانيا، الذي تعهد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد أكدت ذلك معاهدة سان ريمو سنة 1920م التي وضعت سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، والأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني. ولم يكن ذلك بمجموعه سوى بداية أولية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط ومنها سورية الكبرى التي أصبحت أربع دول بدل الدولة الواحدة!!!
3-السياسة الفرنسية في سورية: ما كادت فرنسا تسيطر على سورية حتى بدأت برسم سياسة تجزئة سورية آخذةً باعتبارها ورقة هرتزل حيث قامت بترسيم حدود لبنان الكبير سنة 1920م، وضمت إليه الأقضية الأربعة (بعلبك والبقاع ورَاشيّا وحاصبيا) ثم قامت بعد ذلك بتقسيم سورية الحالية إلى أربع دول، فأنشأت دولة للعلويين في آب1920م، ثم أنشأت دولة للدروز ودولة في حلب ودولة في دمشق، كما اعتبرت لواء اسكندرون منطقة منفصلة عن سورية وذلك في تموز من سنة 1922م حيث ضم بعدها إلى تركيا سنة 1939م وقد كانت فرنسا بسياساتها هذه تريد أن تقضي على وحدة سورية السياسية، إلا أنها لم تنجح في سياسة التجزئة هذه فأعادت دمج دولة العلويين، ودولة الدروز ودولة حلب ودولة دمشق في دولة واحدة، هي الدولة السورية الحالية.
4-غورو والقشة التي كسرت ظهر البعير: ما إن شعر غورو بعدم نجاح سياسة تجزئة سورية، حتى لجأ إلى السياسة البديلة فقام بإنشاء قوات المشرق الخاصة، وقد نَصَّ القرار يومئذ على أن تكون عمدتها من العلويين وأن تعتمد على أبناء الأقليات، وألّا تزيد نسبة السُنّة فيها على 30 % وفي ظروف خاصة على 50 % وقد نجحت فكرته هذه فبلغ عدد هذه القوات سنة 1931م اثني عشر ألف مقاتل، ثم استمرت في الزيادة، وكان ضباطها يتلقون تدريباتهم الخاصة على أيدي الفرنسيين، ويتثقفون بثقافتهم الخاصة، وفي سنة 1946م عندما قررت فرنسا الجلاء عن سورية، تحوّل هذا الجيش الذي كان جيشاً فرنسياً بامتياز عمدته من الأقليات إلى الجيش العربي السوري، وتولى اللواء آرام قره مانوكيان الأرمني الأصل، مسألة إعادة تنظيم ذلك الجيش الذي كان أشبه ما يكون بالولد العاق، وكان السوريون ينامون وهم على هاجس بانقلاب جديد يقوده مغامر متآمر وهذا الذي حدث بعد.
المرحلة الثانية – مرحلة الاستقلال 1946-1970م: هذه المرحلة باختصار شهدت المخاض الصعب الذي أوصل الطائفيين إلى السلطة. وقد مَرَّت كسابقتها بأربع محطات رئيسة، كانت كل محطة بمثابة مقدمة لسابقتها وهذه المحطات هي:
1-الانقلابات المتعاقبة والصراع على السلطة 1949-1954م: ما إن أُعْلِنَ عن استقلال سورية ورحيل آخر جندي فرنسي حتى بدأت الملحمة الكبرى التي شهدت تدخل الجيش في السياسة وبدأت مرحلة ما يعرف بِحُمَّى الانقلابات والصراع على السلطة فمن 1949 إلى 1954م، شهدت سورية ستة انقلابات عسكرية هي على التوالي:
1-انقلاب حسني الزعيم الذي وقع فجر يوم 30/3/1949م.
2-انقلاب سامي الحناوي الذي وقع فجر يوم 14/8/1949م.
3-انقلاب العقيد أديب الشيشكلي الأول الذي وقع فجر يوم 19/12/1949م.
4-انقلاب العقيد أديب الشيشكلي الثاني الذي وقع فجر يوم 2/1/1951م.
5-الانقلاب على الشيشكلي. وقد قامت به مجموعة من الضباط الذين لم يكونوا مؤهلين للتشبث بالسلطة من حيث الإمكانيات والرتب. ولم يكن أمامهم سوى العودة إلى الثكنات وتسليم السلطة للمدنيين. وقد وقع في 25/2/1954م.
6-الانقلاب على الشرعية وإعلان الوحدة في 22/2/1958م، وقد قامت بذلك مجموعة من ضباط الأركان. أو ما عُرِفَ في حينه باسم مجلس القيادة العسكرية، الذين غادروا سورية إلى مصر في 14/1/1958م، دون أن يعلم رئيس الجمهورية بذلك، ووَقّعُوا مع جمال عبد الناصر مشروع الوحدة التي تم الإعلان عنها رسميا في 22/2/1958م.
والملاحظ أن هذه الانقلابات التي وقعت خلال فترة وجيزة لا تتجاوز العقد من الزمن، تكاد تنحصر دوافعها الرئيسة في ثلاثة:
الدافع الأول – المؤثر الخارجي: ومنه دور المخابرات الأمريكية في انقلاب الزعيم. وقد كانت الدول الكبرى تعمل جاهدة من أجل السيطرة على الدول التي استقلت حديثا، والتي تدخل في مجال سياساتها.
الدافع الثاني – النزعة الفردية وحب المغامرة: وعلى ذلك كان أكثر ضباط الجيش ومنهم حسني الزعيم والحناوي والعقيد أديب الشيشكلي.
الدافع الثالث – الأجندة الحزبية: التي شَكّلَت منطلقا لبعض الضباط، ومنهم أولئك الذين ذهبوا إلى مصر بدون إذن رئيس الجمهورية، ووَقّعُوا الوحدة مع جمال عبد الناصر، ثم عادوا إلى دمشق وأجبروا السيد رئيس الجمهورية على الذهاب إلى القاهرة من أجل التوقيع على مشروع الوحدة. مع العلم أن سورية كانت تعيش حالة من التعددية السياسية، إذ أنها عرفت ومنذ وقت مبكر بعض الأحزاب التي كان لها نشاطها المتميز لاسِيَّما في مواجهة بعضها وأكثرها كان غير مُنْتَمٍ وغير ملتزم بالثوابت الوطنية والقومية والدينية؛ بل وكان منشؤه على أيدي أبناء الأقليات، الذين كان كثير منهم يعملون على وضع أجندة خاصة تأتمر بأمر الأجنبي ومن هؤلاء الحزب الشيوعي السوري الذي كانت لجنته المركزية تضم كلا من (آرتين مالدويان وهيكازون بوياجيان) وهما أرمنيان. و(آكوب بيتلا) وهو يهودي روسي جاء من فلسطين إلى بيروت وكان يُسمى الرفيق شامي! ومنهم أيضا الحزب القومي الاجتماعي السوري الذي أسسه أنطون سعادة، وكان كحزب إقليمي يحصر نشاطه في سورية الطبيعية، وبشكل خاص في أوساط الأقليات القومية والدينية وكان زعماؤه يحيون رموزا فينيقية وشرق أوسطية، ومنهم المقدم غسان جديد، الذي كان يعمل على نشر الطائفية في الجيش السوري، وكان أحد المسؤولين عن قتل العقيد عدنان المالكي. ويضاف إلى هذين الحزبين الشيوعي السوري، والقومي الاجتماعي السوري – حزب البعث العربي الاشتراكي – الذي كان يتبنى مشروعا انقلابيا يهدف إلى الوصول إلى السلطة وإقامة النظام الخاص الذي يتطلع إليه من أجل فرض هيمنته على الدولة والمجتمع.
ومن أجل تحقيق مصالح هؤلاء وهؤلاء استعرت الساحة السورية بالصراعات الديماغوجية فكان الاقتتال بالجنازير هو البديل للحوار والتفاهم، وكان تخطي الرقاب، والتسلق أو القفز إلى أعلى واسطة، الوسائط من أجل الوصول إلى المشروع الطائفي الذي يعمل الطائفيون من أجله وذلك من خلال اللجنة العسكرية التي تأسست لذلك الغرض سنة 1958م.
1-الوحدة والانفصال 1958-1963م: لقد كانت تصرفات مجلس القيادة الذي تَخَطَّى البرلمان ورئاسة الجمهورية والقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة وقام بالتوقيع على مشروع الوحدة بمثابة مهزلة حقيقية إذ ما كادت دولة الوحدة تقوم وتبدأ عمليا مهامها الوحدوية حتى هرع من وَقَّعُوا على وثيقتها وبحروفها الأولى إلى الانسحاب من الحكومة وإلى دعمهم انقلاب الانفصال الذي قام به ثلةٌ من الضباط الدمشقيين المرتبطين بالخارج، وذلك في 28 أيلول سنة 1961م. وبالانفصال بدأت اللجنة العسكرية التي أسسها كل من (محمد عمران، وصلاح جديد، وحافظ الأسد) العمل من أجل المشروع الطائفي الذي بدأه غورو سنة 1924م بإحداثه قوات المشرق الخاصة، وبتقسيمه سورية إلى دويلات طائفية.
2-انقلاب الثامن من آذار سنة 1963م: لقد وضع انقلاب الثامن من آذار ومنذ يومه الأول المشروع الطائفي موضع التنفيذ. فمنذ صباح ذلك اليوم وصل صلاح جديد – كما نُقِلَ – على دراجة إلى القابون، وبدأ بتسريح الأعداء (والمقصود بالأعداء السُنّة) وبإعادة الأصدقاء (والمقصود بالأصدقاء العلويين) وقد تزامن ذلك مع توجيه خاص إلى العلويين من أجل انتسابهم إلى حزب البعث. وذلك بقولهم (الثورة ثورتنا) وقد كان ذلك بشكل سري. أما حافظ الأسد فقد انتقل من مهاجم لمطار الضمير العسكري إلى قائد لذلك المطار ومن ثم إلى قائد لسلاح الطيران وقد استطاعت اللجنة العسكرية التي وَسّعوا دائرتها لتشمل كلا من (محمد عمران وحافظ الأسد وصلاح جديد وسليم حاطوم وعبد الكريم الجندي وفي إطار مصطلح عُرِفَ في حينها بـ (عدس) وقد كانت العين تعني (علوي) والدال تعني (درزي) والسين تعني (إسماعيلي) أن تعمل على تحقيق المشروع الطائفي وذلك من خلال:
1-إصدار لائحة العزل السياسي التي شملت الشخصيات السُنّية البارزة في الدولة والمجتمع.
2-القيام بإقصاء الضباط السُنّة من الجيش والقوات المسلحة بإحدى التُهم الثلاث: الناصرية أو الرجعية أو الإقطاعية الرأسمالية. وقد أفادوا من أهم حدثين مرَّت بهما سورية في ذلك الوقت:
1-الانقلاب الفاشل الذي قاده اللواء محمد الجراح، والعقيد جاسم علوان وذلك في 18/7/1963م. وكان الهدف منه إعادة دولة الوحدة. وبفشل ذلك الانقلاب أصبحت الناصرية تهمة يُقْصَى بناءً عليها الضابط في الجيش والقوات المسلحة. وما أكثرهم في ذلك الوقت وقد كانت تلك يومئذ صبغة شرفاء البلد وأحراره!
2-حركة الشباب المسلم في حماة سنة 1964م، والتي أُرِيدَ لها في ذلك الوقت أن تكون بمثابة البؤرة الثورية التي تمتد لتشمل سورية كلها، فكان فشلها فرصة للطائفيين لِيُعمقوا خطهم الطائفي وليصبحوا أكثر تكاتفا فيما بينهم ولينتقلوا إلى المرحلة التي جاءت بعد.
3-حدث 22 شباط 1966م: يُعَدُّ انقلاب22 شباط سنة 1966م، الانقلاب رقم (2) الذي وضع عجلة الطائفيين على السكّة بشكلها الصحيح. فبعد أن كان الطائفيون يتحركون في خفاء، وبعيدا عن الأعين أصبحوا بعد نجاح الانقلاب يتحركون في علن، وقد أصبح الخلاف الناشب بين القيادتين القومية والقطرية مقدمةً لإقصاء أوسع شَمَلَ كثيراً من الضباط السُنّة كما أنه هيأ الفرصة للطائفيين أن يُعَمِّقوا خطهم أكثر وأن يُبْعِدُوا خصومهم عن مراكز القرار. ومن أجل ذلك تم التأكيد على مسألتين:
1-على الاشتراكية العلمية، وقد أصبحت خيارا استراتيجيا للطائفيين الذين يحكمون سورية في ذلك الوقت. والقصد منها تضييق الخناق على الشعب السوري الذي لم يهضم ذلك.
2-على الحزب القائد الذي أُرِيدَ له أن يحكم سورية من خلال منظمات المجتمع المدني وقد برعوا في إنشائها، وفلسفتها وتوظيفها من أجل تحقيق الأهداف الطائفية المُقَنّعة بالحزب وسياساته السرية والعلنية. ومع هذه كذلك الشعب السوري لم يتقبل صورة الحزب القائد ولم يجرِ وراءها.
المرحلة الثالثة – 1970-2011م ( مرحلة الأب والابن): في هذه المرحلة بلغ التغول الطائفي قمة جبروته ففي 16/11/1970م استطاع حافظ الأسد وفي حمّى الخلاف الناشب بينه وبين صلاح جديد أن يَنقَضَّ على السلطة وأن يعلن عبر حركته التصحيحية إنهاء تحالفه – وهو خلاف على الزعامة فحسب – مع تكتل اليسار المتمثل بـ (نور الدين الأتاسي، ويوسف زعين، وإبراهيم ماخوس) ليصبح حاكم سورية المطلق، وليصبح رئيسا للجمهورية العربية السورية وذلك في 12/3/1971م.
ومهما قيل عن هذه المرحلة، فقد امتازت بمحطتين رئيستين؛ محطة الأب، ومحطة الابن:
أولا- محطة الأب (حافظ الأسد) الذي أسس الدولة الطائفية في سورية: المُقَنّعة بأقنعة حزبية، والتي تتخذ من الحرية والديمقراطية، ومن الممانعة في مواجهة المشاريع الاستسلامية يَافِطَةً من شأنها أن تجذب إليها أنظار كثيرين ممن يدعون إلى المواجهة مع العدو الصهيوني وقد غطت سياسته هذه على مشاريع الدولة الطائفية، التي كانت تفتك بالمجتمع السوري، أكثر من فتك الأرضة، بالأديم المتعفن!!!
وقد كان من أهم مظاهر سياسته:
1-الصدام مع الإسلاميين. وقد كانت محصلته قَتْل أكثر من أربعين ألف إنسان في حماة وحدها!!!
2-التدخل في لبنان. حيث عَمِلَ مع الإيرانيين على إنشاء حزب الله، وعلى دعمه وتمكينه. كما تمكن من إضعاف المقاومة. ومن إخراجها من لبنان، ومن تصفيتها بالقوة المسلحة. وما فعله تجاه مخيمي صبرا وشاتيلا شاهد على ذلك.
3-ترسيخ قواعد الطائفية في الجيش والدوائر الأمنية وفي الوزارات ذات الصفة السيادية.
4-إطلاق يد الطائفيين وأتباعهم بالكسب غير المشروع والذي أدى إلى تكوين طبقة رأسمالية من الطائفيين ومن أتباعهم. وإلى إفقار الشعب وتجويعه بعامة. ويُعَدُّ رامي مخلوف، وهو ابن خال بشار الأسد، أحد مظاهر ذلك.
لقد أمضى حافظ الأسد في رئاسة الجمهورية الفترة من 12/3/1971 إلى 10/6/2000م. ولم يخلُ مقعده من كرسي الرئاسة إلا بعد أن مهّد الطريق لعقبه بشار الأسد، الذي كان أكثر سوءا منه وعلى وفق المعايير الوطنية والقومية، التي كان يزعم أنه يتحلى بها.
ثانيا- محطة الابن بشار الأسد الفترة من 2000-2011م، لقد استلم (الابن) بشار الأسد رئاسة سورية بعد والده حافظ الأسد الذي شغلها منذ 1971م وحتى وفاته سنة 2000م وذلك إثر تعديل دستوري عبر أروقة البرلمان السوري الذي اتخذ قراره وخلال دقائق قليلة بأن عُمْرُ رئيس الجمهورية السورية يجب ألّا يقل عن (34) سنة.
ويمكن القول: أن (الابن) ورث كل خصائص أبيه ومهامه، يضاف إليها:
1-إتاحة الفرصة للشيعة من أجل نشر التشيع في سورية. ومن خلال المدارس، والحسينيات وإقامة الشعائر الدينية الشيعية.
2-الوقوع في دائرة النفوذ السياسي الإيراني.
3-الخروج على الثوابت الدينية والقومية والوطنية.
4-توسيع دائرة الكسب غير المشروع.
الأمر الذي أدى بالشعب السوري إلى أن يقوم بثورته عليه وذلك ابتداء من 15/3/2011م.
المرحلة الرابعة – مرحلة الثورة السورية 2011-2017م: لقد مَثّلَتْ الثورة السورية – منذ أيامها الأولى سلمية ومسلحة – حركة خلاص مقدس من براثن نظام طاغية، استطاع بدعم الخارج وتأييده أن يستقوي على شعبه، وأن يلعب على تناقضات ذلك الشعب، وأن يفتك به في معارك ليس أكثر منها قدسية وطهارة. سِيَّما أن الشعب خرج ينافح عن ثوابته الوطنية والقومية والدينية فكان جزاؤه وأن أُخِذَ على حد سكين، وأن تآمر عليه الأصدقاء والأعداء، وفي الداخل والخارج معا، وقد أديل أمرها بعد لتغدو فريسة للمشروعين الصهيوني الصليبي والصفوي الفارسي، وأن تستخدم القوات الأجنبية المتمثلة بالميليشيات الطائفية بالتحالف الدولي، وبعسكر بوتين، الذي يختزن في داخله مكر الشيوعيين وحقد الصليبيين، فكانت المعركة أكثر من شرسة وأكثر من خطيرة، وأكثر من موجبة الانبعاث للوقوف في وجه القوى الظلامية التي تتربص بسورية وشعبها.
وفي ختام هذا العرض المسهب للمشكلة المتعددة الأبعاد والمراحل في سورية المعاصرة:
لا نرى بُدَّاً من ذِكْرِ المشاكل الأمهات التي تَعَرَّضَ لها شعبنا، وذلك منذ مطلع القرن العشرين وإلى اليوم:
المشكلة الأولى – مشكلة الأقليات: التي كانت قائمة منذ عهد الدولة العثمانية. ثم عمل على توظيفها الصهاينة والصليبيون وذلك في المشاريع الاستراتيجية البعيدة والقريبة. وورقة هرتزل ومعاهدة سان بطرس برغ، واتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، واتفاقية سان ريمو، وسياسات غورو في سورية لا تخرج عن هذا السياق. بل يمكن اعتبارها أم المشاكل. فقد قيل عن حافظ الأسد عقب انقلاب 1963م: إنه جاء ليتم المشروع الفرنسي في سورية. وهو مشروع بناء الدولة الطائفية الذي عدت في حينها قوات المشرق الخاصة، عمدته الرئيسة.
المشكلة الثانية – مشكلة ضيق الأفق السياسي: الذي جعل فطاحلة السوريين يقبلون بقوات المشرق الخاصة التي أمر بتأسيسها غورو وهي خاصة بالأقليات لتصبح الجيش العربي السوري. وقد كان ذلك إيذانا بوقوع سورية كلها في أَسْرِ الطائفيين. وتاريخ سورية الدامي منذ 1916م وحتى 2016م لا يخرج عن ذلك.
المشكلة الثالثة – مشكلة عدم الشعور بالانتماء للوطن وبالالتزام بقيمه ومبادئه: وعِلَّةُ ذلك أنه سمح للموتورين والحاقدين والخارجين على الثوابت الوطنية والقومية والدينية، أن يُنشِؤُا أحزابا لا تؤمن بهذه الثوابت ولا تقيم وزنا لها. ومنها الحزب الشيوعي السوري والحزب القومي الاجتماعي السوري.
المشكلة الرابعة – مشكلة أصحاب الأنوات الخاصة الشخصانية والمناطقية: وقد مَكّنهم عدم الانتباه لهم من أن يفككوا النسيج الاجتماعي السوري، وأن يعملوا على تعطيله وأن يجعلوا منه مهادا لقواهم المعطلة على الساحة السورية التي من شأنها أن تُخَرّب وتُدَمّر. وذلك كالذي حدث بعد، ومنذ أربعينيات القرن الماضي وقد اتجه كثير منهم اتجاها مَرَضِيَّاً ينطوي على كثير من الاستعلاء الاجتماعي. وعدم أخذ الأمور بماعونها الأوسع الذي يشمل السوريين جميعاً أرضاً وشعباً.
يدل على ذلك نمو ظاهرتي الشخصانية والمناطقية في سورية كلها وهو أمر قاد إلى هلهلت النسيج الاجتماعي، وإلى شرذمة العمل الثوري في سورية كلها وذلك منذ الاستقلال وحتى اليوم ويُعَدُّ واقع أمراء الحرب التي تشهده سورية اليوم الدالة الكبرى على ذلك وقد أخذت القضية السورية على حد سكين بسبب من ذلك التصرف الأرعن.
المشكلة الخامسة – مشكلة رأس المال الإقطاعي والرأسمالي: إذ أن عدم الانتباه إلى مخاطر الإقطاعيين والرأسماليين وقد ثبت بالواقعة أن تجار دمشق هم الذين نثروا على غورو الورود والرياحين وهم الذين حملوا عربته على أكتافهم؛ بل وَجَرّوُهَا بسواعدهم بدل (الخيول) التي كانت تجرها. فكان ذلك بمثابة الانصياع لقراراته وتأييدها، كما أن الاحتفاء برفعت الأسد سنة 1971م ودعوته إلى وليمة خاصة في الميدان في دمشق عُرِفَت في حينها من حيث الكلفة بذات المليون، كان بمثابة الانصياع لمغامرة الأخوين – حافظ ورفعت ولذلك المشروع الطائفي الذي يتبناه كل منهما كما أن خذلانهم للثوار في مدينة حلب سنة 1981م، والتضييق عليهم – والكلام منقول بالمشافهة – قد عَجّلَ في نهاية تلك الثورة العظيمة، التي كان الانتصار عليها مقدمة لما يحدث في سورية اليوم من تدمير أو تغيير.
المشكلة السادسة – مشكلة الأُميّة الثقافية: والجهل الذي أصبح متفشيا في القطاعات المختلفة الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد أدى ذلك إلى أن يقود الثورة الأميون وغيرالمؤهلين، وقد تخلل صفوفهم عملاء النظام وأتباعه يضاف إليهم المتسلقون والوصوليون والانتهازيون ورُكّاب الموجة. الأمر الذي جعلنا نقرر إن المشكلة السورية مشكلة متعددة الأبعاد والمراحل وأن حلولها تتطلب نظرا عريضا. وهي مهمة النابهين من الأبناء الذين يشعرون بالانتماء حقيقة ويعتزون بالثوابت الثلاثة الإسلامية والقومية والوطنية، ويصطفون مع الثورة وقواها المسلحة في مواجهة النظام الطاغية. وذلك من خلال تَجَمُّعٍ واعد يلم شملهم ويوحِّد كلمتهم ويمضي بهم قُدُمَاً من أجل سورية حرة ومستقلة وذات سيادة.
– وقل اعملوا –
مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_دراسات_سياسية_عبد_العزيز_الحاج_مصطفى_القضية_السورية_المشكلة_المتعددة_الأبعاد_والمراحل