الأربعاء, ديسمبر 25, 2024
spot_img
الرئيسيةUncategorizedاستحالة التعايش السلمي بين الفلسطينيين واليهود الصهاينة

استحالة التعايش السلمي بين الفلسطينيين واليهود الصهاينة

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اجتماعية_محمد_فاروق_الإمام_استحالة_التعايش_السلمي_بين_الفلسطينيين_واليهود_الصهاينة

يعيش اليوم حوالي 6.8 مليون يهودي صهيوني و6.8 مليون فلسطيني في المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وهي منطقة تشمل الكيان الصهيوني الغاصب، والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وتتكوّن هذه الأخيرة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غَزَّةَ، وفي معظم أنحاء هذه المنطقة، الدولة العِبْرِيَّة هي القوة الحاكمة الوحيدة؛ وتُمارس في باقي المناطق كسُلطة رئيسية، إلى جانب حُكُمْ ذاتي فلسطيني محدود لا قيمة له على الأرض، حيث تمنح السلطات الصهيونية في هذه المناطق امتيازات بشكل ممنهج لليهود في أغلب مناحي الحياة، فضلا عن التمييز بحق الفلسطينيين، وتُوَضّح كل القوانين، والسياسات، وتصريحات كبار المسؤولين الصهاينة أن الهدف هو إبقاء الهيمنة اليهودية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، وهذا هو حال الوضع في فلسطين منذ زمن طويل.

ولتحقيق هذا الهدف، عَمدت السلطات الصهيونية بدرجات مختلفة من الشِّدَة إلى نزع ممتلكات الفلسطينيين، وإخضاعهم، وعزلهم، وفصلهم قسراً بِحُكْمِ هويتهم، وكان هذا الحرمان قاسياً ومُهيناً إلى درجة أنه يرقى إلى مستوى الفصل العنصري والاضطهاد، وهما جريمتان ضدّ الإنسانية.

وعلى مدى السنوات الـ 54 الماضية، سهّلت السلطات الصهيونية نقل اليهود إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنحتهم مكانة أعلى بموجب القانون، مقارنة بالفلسطينيين الذين يعيشون في نفس المناطق في ما يتعلق بالحقوق المدنية، والوصول إلى الأرض، وحرية التنقل والبناء، ومنح حقوق الإقامة للأقارب، رغم أن الفلسطينيين لديهم قدر محدود من الحكم الذاتي في أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنّ دولة الاحتلال حافظت على سيطرة أساسية على الحدود، والمجال الجوي، وحركة الأشخاص والبضائع، والأمن، وسْجِلّ السكان بأكمله، وهو ما يُحدّد بدوره مسائل أخرى مثل المكانة القانونية وأهلية الحصول على بطاقات الهوية.

لقد عبّر مسؤولون صهاينة متعاقبون بوضوح عن نيتهم في الحفاظ على هذه السيطرة إلى الأبد، ودعموا ذلك من خلال أفعالهم، بما فيها التوسع الاستيطاني المستمر منذ توقيع ’’اتفاقية أوسلو‘‘ منذ عقود، وقد يؤدي الضم الأحادي الجانب لأجزاء أخرى من الضفة الغربية، الذي تعهدت حكومة بنيامين نتنياهو بتنفيذه، إلى إضفاء طابع رسمي على واقع الهيمنة والقمع الصهيوني الممنهج السائد منذ فترة طويلة، دون تغيير واقع كون الضفة الغربية بأكملها محتلة بموجب القانون الدولي للاحتلال، بما فيها القدس الشرقية، التي ضمتها دولة الاحتلال بشكل أُحادي الجانب في عام 1967م.

لقد حدَّد القانون الجنائي الدولي جريمتين ضد الإنسانية لحالات التمييز والقمع الممنهجين: الفصل العنصري والاضطهاد، والجرائم ضدّ الإنسانية، وتُعتبر هذه الجرائم من أشنع الجرائم في القانون الدولي.

يُستخدم مصطلح الفصل العنصري بشكل متزايد فيما يتعلق بالدولة العِبْرِيَّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن عادةً على سبيل الوصف أو المقارنة وليس بالمعنى القانوني، وغالباً للتحذير من أنّ الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ؛ على وجه الخصوص، وقد أكد مسؤولون فلسطينيون ويهود وأمريكيون وأوروبيون، ومُعلّقون إعلاميون بارزون وآخرون، أنه إذا استمرت سياسات الدولة العِبْرِيَّة وممارساتها تجاه الفلسطينيين على المسار نفسه، فإنّ الوضع، في الضفة الغربية على الأقل، سيشكّل فصلاً عنصرياً.

وكان الهدف المعلن للحكومة العِبْرِيَّة هو ضمان الحفاظ على هيمنة اليهود الصهاينة في كل المناطق المغتصبة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي عام 2018م، أقرّ ’’الكنيست‘‘ قانونا ذا مكانة دستورية أكّد أن الدولة العِبْرِيَّة ’’دولة قومية للشعب اليهودي‘‘، وأعلن أن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة ’’خاص بالشعب اليهودي‘‘، واعتبر ’’الاستيطان اليهودي‘‘ قيمة وطنية.

وللحفاظ على سيطرة اليهود الصهاينة، اعتمدت سلطات الاحتلال سياسة تهدف إلى تخفيف ما وصفته علناً بـ ’’التهديد الديموغرافي‘‘ الذي يُشَكِّلَهُ الفلسطينيون، وشملت هذه السياسة الحد من السكان الفلسطينيين ومن سلطتهم السياسية؛ ومنح حق التصويت فقط للفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود فلسطين المغتصبة (الخط الأخضر)، كما كانت من عام 1948م إلى يونيو / حزيران 1967م؛ والحد من قدرة الفلسطينيين على التنقل من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الكيان المُغْتَصِبْ، ومن أي مكان آخر في العالم إلى الدولة العِبْرِيَّة أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما تم اتخاذ خطوات أخرى لضمان الهيمنة اليهودية، ومنها اعتماد الدولة لسياسة ’’فصل‘‘ الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغَزَّةَ، التي حالت دون تَنَقُّل الأشخاص والبضائع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، و’’تهويد‘‘ المناطق التي يسكنها عدد كبير من الفلسطينيين، بما في ذلك القدس وكذلك الجليل والنقب في الدولة العِبْرِيَّة.

هذه السياسة، التي تهدف إلى تعزيز هيمنة اليهود الصهاينة على الأرض، جعلت غالبية الفلسطينيين الذين يعيشون خارج المدن اليهودية الرئيسة ذات الغالبية اليهودية متمركزين في جيوب محاصرة ذات كثافة عالية وخدمات رديئة، كما أنها قيّدت حصولهم على الأرض والمسكن، بينما رعت نُموّ التجمعات اليهودية القريبة.

وعملا بهذه السياسة، ارتكبت سلطات الاحتلال مجموعة من الأفعال اللاإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها فرض قيود شاملة على حركة 4.7 مليون فلسطيني هناك؛ ومصادرة الكثير من أراضيهم؛ وفرض ظروف قاسية، مثل الرفض القاطع لتصاريح البناء في أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ما جعل آلاف الفلسطينيين يغادرون منازلهم في أوضاع ترقى إلى الترحيل القسري؛ وحرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حقوق الإقامة بسبب تواجدهم في الخارج عند بداية الاحتلال سنة 1967م، أو غيابهم لفترات مطولة في العقدين الأولين من الاحتلال، أو نتيجة للتجميد الفعلي لِلمِّ شمل العائلات في العقدين الأخيرين؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية، مثل حرية التجمع وتكوين الجمعيات، وهذا حَرَمَ الفلسطينيين من فرصة أن يكون لهم صوت في مجموعة واسعة من المسائل التي تؤثر على حياتهم اليومية ومستقبلهم.

ومنذ تأسيس دولة الكيان الصهيوني؛ مارست الحكومة أيضاً تمييزاً منهجياً ضدّ الفلسطينيين، وانتهكت حقوقهم داخل حدود الدولة ما قبل 1967م، بما في ذلك رفض السماح للفلسطينيين بالوصول إلى ملايين الدونمات من الأراضي التي صُودرت منهم في منطقة النقب، وجعلت هذه السياسات من شبه المستحيل بالنسبة إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين العيش بشكل قانوني في المجتمعات التي عاشوا فيها على مدى عقود، وإضافة إلى ذلك ترفض السلطات الصهيونية السماح لأكثر من 700 ألف فلسطيني ممن فرّوا؛ أو فرضت عليهم قيوداً شاملة على الإقامة القانونية، مما حَرَمَ الكثير من الأزواج الفلسطينيين وعائلاتهم من العيش معا في الكيان المغتصب.

هذه الحالة اللاإنسانية والمُذِلَّة والمضطهدة التي يعيشها الفلسطينيون في وطنهم فلسطين؛ دفعتهم إلى التخطيط للهجمة المباغتة في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023م، وقُوبلت تلك الهجمة التي تمكّن من خلالها رجال المقاومة الفلسطينية من تمريغ أنف الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر في وَحْلِ غَزَّةَ هاشم، ولا تزال المقاومة تُنْزِلُ بهذا الجيش الهزائم والنكسات للشهر السابع على التوالي، وبالمقابل ينتقم هذا الجيش المقهور بِصَبِّ حمم صواريخه وقنابله وناره وحقده على المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، في عملية تطهير عرقي لم يشهدها العالم في التاريخ الحديث. 

ولم يكتفِ العدو الصهيوني بما يرتكب من جرائم بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد دعا وزير التراث الصهيوني العنصري عميحاي إلياهو، إلى إلقاء قنبلة ذَرِيَّة على غَزَّةَ، وينتمي إلياهو لحزب ’’القوة اليهودية‘‘ اليميني المتطرف، الذي يقوده وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو الحزب الذي يؤيد بناء المستوطنات، واستعادة السيطرة على قطاع غَزَّةَ، ويتبنى أفكاراً متطرفة، واعتبر إلياهو أنه ’’لا يوجد في غَزَّةَ إلا المقاتلين، الذين يجب أن يخفضوا رؤوسهم عندما يشاهدوا جندياً إسرائيليا حسب قوله، وأعرب عن رفضه السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غَزَّةَ‘‘، ودعا الى إخراج الفلسطينيين من غَزَّةَ قائلا: ’’نحتاج إلى إخراجهم من قطاع غَزَّةَ.. يمكنهم الذهاب إلى إيرلندا أو الصحاري‘‘.

العنصرية اليهودية مُتَجَذِّرَة في أصولهم:

لقد كان اليهود على مدى تاريخ وجودهم على أرض فلسطين يتصفون بالعنصرية والحقد والمكر والغدر وشن الحروب على جيرانهم، ويُغَلِّفُون أعمالهم بأساليب شيطانية لا تخطر على بال بشر، ومن مكرهم أنهم أسسوا الجمعيات العنصرية والمتطرفة في أماكن تواجدهم، ليغدروا بأهل من فتحوا لهم الأبواب، وآواهم وتقاسموا معهم رغيف الخبز والمسكن وكل شؤون الحياة.

وكانت أولى هذه الجماعات المُتطرِّفة المستندة إلى أصولية دينية يهودية من طائفة (الزيلوت) المتشدِّدة على يد يهوذا الجَليلي في عام 66 قبل الميلاد، وأُطلق على أعضائها اسم (سيكاري) نسبةً إلى سلاح السيف القصير (سيكا) الذي يُنفِّذُون به عمليات القتل والاغتيال، التي طالت موظفي الحكومة الرومانية بدايةً، وامتدَّت لتطولَ معتنقي الديانة اليهودية المخالفين لهم في المُعتقد والتوجُّه.

وعُرِفَت هذه الجماعةُ باستخدامها أساليبَ مبتكرةً في الإرهاب والقتل؛ كتسميم مياه الشّرب، وحرق المنازل وهدمها.

ولعلَّ اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين في عام 1995م على يد المتطرف ’’إيجال عامير‘‘ من المظاهر المعاصرة لفكر هذه الجماعة وأساليبها، التي برزت أيضاً في العصر الراهن على يد الجماعات الدينية المُتطرِّفة والعصابات القومية التي ارتكبت مجازر عديدة بحقِّ الشعب الفلسطيني الأعزل على امتداد عقود طويلة.

لقد كانت سِمة التطرف والعنصرية هي الغالبة على المجتمع في الدولة العِبْرِيَّة، ويظهر ذلك جلياً من خلال اتساع دائرة المنظمات المتطرفة من حيث العدد والنفوذ فيه، لدرجة أن هذه المنظمات أصبحت تحدد السياسات العامة في دولة الاحتلال تجاه أبناء الأرض الفلسطينيين بهدف طردهم، والنَّيْلِ من صمودهم عن طريق اتباع كافة السُّبل التي تهدد حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم؛ وذلك بدعم المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية، وحتى التشريعية في دولة الاحتلال.

ونظراً لمعرفة دولة الاحتلال أن ارتباط الفلسطينيين بهذه الأرض هو ارتباط عقائدي بالدرجة الأولى؛ فقد أطلقت أيدي هذه الجماعات لتعيث فساداً في الأماكن والمعالم المقدسة بغية تهويدها أو إزالتها لخلق واقع يَحرم الفلسطينيين من أسباب الرباط والثبات. وعليه فإنه من الصعب، بل من المستحيل التعايش بين الفلسطينيين واليهود على أرض واحدة وموطن واحد، ولابد من الفصل بين الشعبين وتأمين الاستقرار والأمن للفلسطينيين ضمن دولة فلسطينية واحدة، بعيداً عن اليهود وعن عنصريتهم الملعونة، القائمة على الغدر والحقد واللؤم والكره؛ المتوارث من الجد إلى الولد. 

المراجع

– وكالة الأناضول – 5/11/2023م.

– الســـيـــاق التاريخــي للتــطـــــرُّف – 5/10/2020م

– وفا الفلسطينية – 2024م.

– تجاوزوا الحد – 27/4/2021م.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_اجتماعية_محمد_فاروق_الإمام_استحالة_التعايش_السلمي_بين_الفلسطينيين_واليهود_الصهاينة

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات