الأربعاء, ديسمبر 25, 2024
spot_img
الرئيسيةمقالات سياسيةسورية بين طغيان نظام سادي وثورة شعب يتوق للحرية (14-24)

سورية بين طغيان نظام سادي وثورة شعب يتوق للحرية (14-24)

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(14-24)_تنفيذ_انقلاب__8 آذار 1963م

تنفيذ انقلاب 8 آذار 1963م

في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة 8 آذار 1963م، طوقت الدبابات والسيارات المدرعة الإذاعة ومباني الحكومة، وتركزت في الساحات العامة. وأعلن المقدم سليم حاطوم، الذي احتل مبنى الإذاعة البيان الأول لقيام الانقلاب. وتم القبض عل العديد من السياسيين ورجال الحكومة البارزين، وتمكن رئيس الوزراء خالد العظم من الإفلات واللجوء إلى السفارة التركية بدمشق.(1) وليتسلم حزب البعث السلطة الحقيقية في سورية.(2)

تشكّلت حكومة البيطار التي تضم كل القوى التي عارضت حكم الانفصال، واحتل البعثيون نصف حقائبها (منصور الأطرش وجمال الأتاسي وعبد الكريم زهور ووليد طالب وشبلي العيسمي وسامي الدروبي وإبراهيم ماخوس). كما اشترك فيها عن القوميين العرب (هاني الهندي وجهاد ضاحي). وأعضاء من حركة الوحدويين الاشتراكيين (سامي صوفان ثم سامي الجندي). ومن الجبهة العربية (نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد).

وتألف المجلس الوطني لقيادة الثورة من عسكريين ومدنيين برئاسة اللواء لؤي الأتاسي، وضم كلاً من: العسكريون: (لؤي الأتاسي وزياد الحريري – غير بعثيين، فهد الشاعر وأمين الحافظ وصلاح جديد ومحمد عمران وأحمد أبو صالح وموسى الزعبي – بعثيون، أما المدنيون وكلهم بعثيون: ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وشبلي العيسمي ومنصور الأطرش وحمودي الشوفي).(3)

وعلى الصعيد العسكري سُمِّيَ (لؤي الأتاسي) قائداً أعلى للجيش، واللواء (زياد الحريري) رئيساً للأركان العامة، واللواء (راشد القطيني) نائباً لرئيس الأركان. كما اشترك عسكريان في وزارة البيطار اللواء أمين الحافظ – بعثي – وزيراً للداخلية واللواء محمد الصوفي – ناصري – وزيراً للدفاع.(4)

ويُلاحظ في هذا المجال، أن المؤسسين والمُحركين الأساسيين للجنة العسكرية لم يحتلوا واجهة المسرح السياسي. بل استمروا في متابعة (لعبتهم) من وراء الكواليس، وسعوا تدريجياً لتثبيت أقدامهم داخل الجيش.

بعد ثلاثة أيام من نجاح البعثيين في انقلابهم، أي بتاريخ 11 آذار تحرك الناصريون داخل الجيش للإطاحة بالبعثيين. ولكن لم يُقدّر لمشروعهم النجاح. وأدى إخفاق تحركهم إلى تصفية عدد كبير من ضباطهم، دون إثارة أية ضجة. ولم يصدر النظام البعثي الجديد أي بيان حول هذه الحركة.(5)

قوائم تسريحات الضباط التي أصدرتها قيادة حركة آذار 1963م:

بعد وقوع الحركة بخمسة أيام فقط، أي بتاريخ 13 آذار 1963م صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش مئة وأربعة ضباط وهم من كبار ضباط الجيش، افْتُتحت بالفريق عبد الكريم زهر الدين، واخْتُتمت بالمقدم بسام العسلي.(6)

وبتاريخ 16 آذار – أي بعد ثمانية أيام من وقوع الحركة – صدرت نشرة أخرى، أخرجت من الجيش 150 ضابطاً، هم الطاقة الفعالة في الجيش (قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة سرايا)، وكان المقدم خليل مصطفى – مؤلف كتاب سقوط الجولان – واحداً من الذين شملتهم النشرة.(7)

ثم تتابعت النشرات، تُسرّح، وتُحيل على التقاعد، وتنقل إلى الوظائف المدنية، حتى بلغ مجموع الضباط الذين أُخرِجوا من الجيش حتى أيار 1967م، لا يقل عن ألفي ضابط من خيرة ضباط الجيش المحترفين كفاءة وقدرة وعطاء وحيوية، مع عدد لا يقل عن ضعفه من ضباط الصف القدامى المحترفين للعمل العسكري، والجنود المتطوعين الذين يُشكِّلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات في الجيش.(8)

التحقت بالجيش – كاتب المقال – (خدمة إلزامية) كما نوهتُ سابقاً يوم 20 تموز 1963م، وأُخضِعتُ لدورة عسكرية في مدارس قطنا، وهناك في هذه المدارس لم يكن بين العشرات من الضباط وضباط الصف ما يصل إلى عدد أصابع اليدين من الضباط وضباط الصف العاملين، فقد كان معظم الضباط وضباط الصف ممن التحقوا بخدمة الاحتياط بعثيون، وكانوا في معظمهم من المدرسين والمعلمين سابقاً، المترهلة أجسامهم، وكبيري السن، والذين كانوا لا يعرفون ألف ياء العسكرية، وبعد انتهاء الدورة التي دامت لأكثر من أحد عشر شهراً، ورغم ذلك أُفرِزت للخدمة في الجبهة (الجولان سابقاً) قبل أن يفرّط نظام البعث ويسلمه للصهاينة دون دفع أو مدافعة. وفي القطعة التي خدمت بها  – في غير اختصاصي – التقيت أحد الضباط وكان قائداً للنقطة وقد اسْتُدعي من وظيفته كمدير مدرسة لقرية الشيخ بدر (محافظة طرطوس)، وقد كشف لي سراً – عن غير قصد – أنه عند استدعاء ضباط احتياط للعمل في الجيش، نزل من الجبل ألف ضابط، معظمهم انخرطوا في الجيش. في حين صرَّح لي أحد ضباط الصف، والذي كان – كما قال – يعمل صياداً للسمك في مدينة صيدا اللبنانية، أنه التحق في الجيش مع ثلاثة آلاف ضابط صف بعد انقلاب 8 آذار 1963م، وكلهم كما قال لي من الجبل من محافظتي طرطوس واللاذقية.

وفي هذا السياق تحضرني قصة وقعت لي مع قائد نقطتي الذي كان سابقاً مدير مدرسة في الشيخ بدر (كما ذكرت سابقاً). فقد قام الطيران الإسرائيلي يوم 3/11/1964م بضرب الجبهة لمدة ثلث ساعة متواصلة، وقد ألقى العشرات من قنابل النابالم المُحرمة دولياً وفي بداية قدوم الطائرات الإسرائيلية هرول هذا الضابط مُسرعاً وبطريقة ملفتة للنظر نحو (البلوكوس) – الملجأ –  فوقع منه مسدسه فلم يلتقطه، وسارعت أنا بالتقاطه وتقديمه له. وعند اقتراب الطائرات الصهيونية من نقطتنا، طلبت منه إعطائي الأمر بإطلاق النار عليها، وكررت طلبي لمرات عدة وكنت أشاهد الطيار الصهيوني الذي كان يقترب بطائرته حتى يكاد يلامس الأشجار الكثيفة التي كانت تغطي النقطة. وكان يؤنبني قائلاً: إياك أن تطلق النار لأنك ستتهم بالخيانة لأنك كشفت النقطة وستعرضنا جميعاً للهلاك. لم أعد احتمل مشاهدتي للطائرة وطيارها.. وبين يدي مجموعة من ثلاثة رشاشات (م – ط 12-7)، فقمت بتوجيه هذه الرشاشات نحو السماء ورشقت أول طائرة اقتربت من النقطة.. وفعلت ذلك ثلاث مرات، وكنت في كل مرة أجبر الطيار على الإقلاع العامودي والفرار من سماء نقطتنا. وكنت أسمع عويل ذلك الضابط الجبان وصراخه، وقد خارت قواه، يهددني ويتوعدني بالويل والثبور، بعد انتهاء العملية الصهيونية وخروج القائد الهمام من مخبئه، توجه إلي بكلمات نابية قاسية، أقلّها نعتي بالخيانة والعمالة في حين انقسم أفراد النقطة بين مؤيد ومندد بما قمت به. وقام القائد برفع تقرير إلى قيادة الجبهة طالباً إيقاع أقصى العقوبة بحقي. ولكن قائد الجبهة في حينها اللواء فهد الشاعر منحني شهادة تقدير مع إجازة 12 يوماً. وتبين لي فيما بعد أنه لم تطلق على هذه الطائرات في كل مواقع الجبهة طلقة واحدة إلا ما كنت قد أطلقته أنا).

لقد رافق عمليات التسريح حل بعض الوحدات المقاتلة، وتشكيل وحدات غيرها على أُسس حزبية بحتة وبذلك أصبح الجيش عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب.. بدل أن يكون درعاً يدفع عنه وحصناً يذود عن حياضه ويحفظ أمنه وكرامته وحرياته.

توجّت مرحلة تصفية الجيش بالأحكام الجائرة التي أصدرتها محكمة أمن الدولة التي كان يترأسها المقدم صلاح الضلي حيث تم إعدام عدد كبير من الضباط كان في مقدمتهم: (العقيد أركان حرب كمال مقصوصة والعقيد هشام شبيب والنقيب معروف التغلبي والنقيب ممدوح رشيد والملازم نصوح الجابي والمساعد بحري كلش). (9)

بالإضافة إلى القتل والإعدام والتسريح غصّت السجون بالمئات من الضباط والآلاف من باقي العسكريين. وكان من أبرز هؤلاء المعتقلين: (اللواء محمد الجراح واللواء راشد قطيني والفريق محمد الصوفي والفريق عبد الكريم زهر الدين واللواء وديع مقعبري والعمداء مصطفى الدواليبي ونزار غزال وأكرم الخطيب وموفق عصاصة ودرويش الزوني وممدوح الحبال والعقداء هيثم المهايني ومحيي الدين حجار وحيدر الكزبري).(10)

حتى لا يقال إن قيادة حركة آذار يُسرِّحون الجيش، اسْتُبْدِلوا بالذين اُخْرِجُوا من الجيش (وخاصة الضباط) أعداداً كبيرة جداً من ضباط الاحتياط (الذين سبق لهم أن أدوا خدمة العلم) وجميعهم تقريباً من البعثيين حتى أصبح معظم ضباط الجيش ممن لا خبرة لهم ولا معرفة ولا لياقة بدنية.

المراجع

1-ص (307) مذكرات العظم، ص (187) البعث والوطن العربي – قاسم سلام، ص (105) تطور الصحافة -جوزيف إلياس.

2-ص (331) دندشلي – نفس المصدر.

3-ص (331-332) دندشلي – المصدر السابق.

4-نفس المصدر.

5-ص (112-117-118) البعث – سامي الجندي.

6-ص (29) سقوط الجولان – خليل مصطفى.

7-ص (30) نفس المصدر.

8-نفس المصدر.

9-ص (30) نفس المصدر.

10-نفس المصدر.

مركز_أمية_للبحوث_والدراسات_الاستراتيجية_مقالات_سياسية_محمد_فاروق_الإمام_سورية_بين_طغيان_نظام_سادي_وثورة_شعب_يتوق_للحرية_(14-24)_تنفيذ_انقلاب__8 آذار 1963م

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات